الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

الرد على شركيات وافتراءات وتلبيسات أحد دعاة الشرك في تونس المدعو: فريد الباجي

الرد على شركيات وافتراءات وتلبيسات أحد دعاة الشرك في تونس المدعو: فريد الباجي

بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة مضيئة:
(((في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال: ...قلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا...)))
*****
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فهذا رد علمي على أحد أبرز دعاة الشرك في بلدنا تونس وهو المدعو فريد الباجي القائم على دار الحديث الزيتونية والخطيب والمدرس بعدة مساجد، فقد تعين الرد على شبهاته وافتراءاته التي لبس بها على كثير من الناس لاسيما ونحن نرى ازدياد نشاطه المشبوه مع تمسحه بالمدرسة الزيتونية حتى باتت بعض وسائل الإعلام تستضيفه على أنه أحد العلماء الزيتونيين لينشر الشرك ويسميه توحيدًا؛ وعبادة غير الله ويسميها توسلًا وتبركًا بالأنبياء والصالحين؛ فلا أطيل في المقدمة وأشرع في المقصود مستعينًا بالله عز وجل القائل: ((وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)) [الإسراء:81] و القائل: ((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)) [الأنبياء:18]
فضح افتراء وكشف شبهة:
يفتري هذا المشرك على أهل السنة والجماعة دعاة التوحيد -الذين يسميهم: "وهابية"- بأن تعريف الشرك عندهم هو: سؤال غير الله؛ ويلبس في جميع دروسه على الجهال من مستمعيه بقصة الله أعلم بصحتها، أنه كان في لجنة علمية لاختبار أئمة الجمعة فسأل أحد المختبرين ممن رأى فيه سمت "الوهابية!!" عن تعريف الشرك فأجابه بأنه سؤال غير الله، فقال له أنت سألتنا الإجازة ونحن غير الله فأنت إذا مشرك.
وهذا تلبيس وكذب على دعاة التوحيد، وإلا فليخرج هذا التعريف من كتب علمائهم، فالعلماء وطلبة العلم يقولون إن دعاء غير الله وسؤاله نوعان: 
الأول: سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه مثل سؤاله أن يدعو له أو يعينه أو ينصره مما يقدر عليه، فهذا جائز.
الثاني: سؤال الميت والغائب وغيرهما، مما لا يقدر عليه إلا الله; مثل: سؤال قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفاتفإن هذا هو الشرك الأكبر الذي كفّر الله به المشركين و واستباح النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم.
وهذا مثال على ذلك: قال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: "اعلم: أن دعاء غير الله وسؤاله نوعان: 
أحدهما: سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه، مثل سؤاله أن يدعو له أو يعينه، أو ينصره مما يقدر عليه، فهذا جائز كما كان الصحابة رضي الله عنهم يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فيشفع لهم، ويسألونه الدعاء فيدعو لهم. 
فالمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها، كما قال تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [سورة القصص آية : 15] وقال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [سورة الأنفال آية : 72] وكما ورد في الصحيحين أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، ثم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. 
وفي سنن أبي داود أن رجلا قال للنبي :صلى الله عليه وسلم إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله، فقال: شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه" فأقره على قوله نستشفع بك على الله; وأنكر قوله: نستشفع بالله عليك. فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يطلبون منه الدعاء، ويستشفعون به في حياته صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: سؤال الميت والغائب وغيرهما، مما لا يقدر عليه إلا الله; مثل: سؤال قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات; فهذا من المحرمات المنكرة، باتفاق أئمة المسلمين; لم يأمر الله به، ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه ليس من دين الإسلام؛ فإنه لم يكن أحد منهم إذا نزلت به شدة أو عرضت له حاجة، يقول لميت: يا سيدي فلان اقض حاجتي، أو اكشف شدتي، أو أنا في حسبك، أو أنا متشفع بك إلى ربي، كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين. ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء عند قبورهم، ولا إذا بعدوا عنها; فإن هذا من الشرك الأكبر، الذي كفّر الله به المشركين، الذين كفرهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم; لم يقولوا إن آلهتهم شاركت الله في خلق العالم، أو إنها تنْزل المطر وتنبت النبات; بل كانوا مقرين بذلك لله وحده، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة لقمان آية : 25] الآية وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [سورة المؤمنون آية: 84-85] إلى قوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [سورة المؤمنون آية : 89].
وقال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [سورة يوسف آية : 106] قال طائفة من السلف، في تفسير هذه الآية: إذا سئلوا من خلق السماوات والأرض، قالوا: الله، وهم يعبدون غيره؛ ففسروا الإيمان في الآية، بإقرارهم بتوحيد الربوبية، وفسروا الإشراك بإشراكهم في توحيد الإلهية، الذي هو توحيد العبادة. 
والعبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، من ذلك: الدعاء بما لا يقدر على جلبه أو دفعه إلا الله; فمن طلبه من غيره، واستعان به فيه، فقد عبده به والدعاء من أفضل العبادات، وأجل الطاعات، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر آية : 60]. 
وفي الترمذي: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء مخ العبادة" وللترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [سورة غافر آية : 60] الآية، قال الترمذي حديث حسن صحيح. [الدرر السنية:11/5]
كشف شبهة:
يقرر هذا المشرك في دروسه جواز دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات بإنزال الأمطار و رزق الأبناء وغير ذلك وأن هذا ليس شركاً حتى يعتقد الداعي في المدعو أنه إله ورب وأنه يستحق العبادة، فإذا لم يكن كذلك فليس هذا من الشرك في شيء وهذه بعض مقولاته : "يجوز أن تسأل غير الله لكن الشرك أن تعتقد أنه إله" ويقول: "ليست العبادة أن تسأل غير الله، العبادة أن تسأل وأن تعتقد أنه إله ورب من دون الله وأنه يستحق العبادة" ويقول: "لا يجوز أن نحكم على إنسان سأل غير الله بالشرك إلا إذا اقترن معه في داخله اعتقاد في ألوهية وربوبية ذلك المسؤول" ويقول: "الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا مشركين لأنه لا يوجد على وجه الأرض مسلم يعتقد فيه أنه إله أو رب من دون الله" .
فالمتأمل في هذا الكلام يجد أنه قد جعل ثلاثة قيود للداعي لغير الله حتى يعتبر مشركًا:
القيد الأول: أن يعتقد الداعي في المدعو أنه رب، وهذا قيد باطل فإن الله عز وجل حكم بالكفر والشرك على العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم لم يعتقدوا في آلهتهم أن لها خصائص الربوبية من خلق ورزق وملك وتدبير كما يفتري هذا المشرك فريد الباجي إذ يقول: "قريش كانت تعتقد في اللات والعزى أنها آلهة مستقلة من دون الله وأنها تتصرف في الخلق والإيجاد والإمداد والإعداد والعطاء والمنع تصرفًا استقلاليًا من دون الله فلذلك اتخذوها شركاء"اهـ
فإن الله عز وجل قص علينا في القرآن الكريم حال المشركين وأنهم كانوا يقرون بأن الله هو الخالق وأنه هو الرزاق والمالك والمدبر وحده سبحانه. 
قال الله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)) [العنكبوت:61]
وقال جل وعلا : ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [لقمان:25]
وقال عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )) [الزخرف:87]
قال الله عز وجل: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ))[العنكبوت:63]
وكانوا كذلك يعتقدون ببعض صفات الله عز وجل:
قال الله عز وجل: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)) [الزخرف:9]
بل كانوا يخلصون الدعاء لله في الشدة:
قال الله عز وجل: ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )) [العنكبوت: 65]
و كانوا يقولون نحن على دين إبراهيم:
قال الله عز وجل: (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) [آل عمران:67]
وكانت لهم عبادات عظيمة نذكر بعضها:
1-كانوا يصلون على نحو أقوال من الذكر والدعاء وأفعال تعظيمية منها الركوع:
روى مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله ابن الصامت قال: 
"قال أبو ذر يا ابن أخي صليت سنتين قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت فأين كنت توجه قال حيث وجهني الله" اهـ[صحيح مسلم»كتاب فضائل الصحابة»باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه]
2-كانوا يحجون:
روى البخاري بسنده عن قيس بن أبي حازم قال:
"دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تكلم فقال ما لها لا تكلم قالوا حجت مصمتة قال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت.."اهـ [صحيح البخاري»كتاب مناقب الأنصار» باب أيام الجاهلية]
3-كانوا يطوفون بالبيت ويلبون:
روى مسلم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
"كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلكم قد قد فيقولون إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت."اهـ[صحيح مسلم» كتاب الحج» باب التلبية وصفتها ووقتها]
4-كانوا يعتمرون:
روى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
" كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض"اهـ [صحيح مسلم»كتاب الحج» باب جواز العمرة في أشهر الحج]
5-كانوا يصومون:
روى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت :
"كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض شهر رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه"اهـ
6-كانوا يجاهدون :
قال ابن هشام:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَخَرَجَ الْكِنَانِيُّ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ فَقَعَدَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ: مَنْ صَنَعَ هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكَّةَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ: «أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ» غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ. فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَهْدِمَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ، ثُمَّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ، وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ الْكَعْبَةِ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ."اهـ[سيرة ابن هشام]
7-كانوا ينذرون ويعتكفون:
روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال: فأوف بنذرك"اهـ[صحيح البخاري»كتاب الاعتكاف » باب الاعتكاف ليلا]
8- كانت نسائهم تغتسل من الحيض:
قال الفرزدق في أبيات وهو يذم رجلا:
وكنت كذات الحيض لم تُبقِ ماءها ولا هي من ماء العذابة طائل"اهـ[كتاب:أديان العرب في الجاهلية]
9- كانوا يغتسلون من الجنابة:
قال ابن هشام في سيرته في غزوة السويق:
أن أبا سفيان نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم.[سيرة ابن هشام]
10-كانوا يتصدقون:
روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله اللات والعزى كان اللات رجلا يلت سويق الحاج.[كتاب تفسير القرآن» سورة والنجم]
11-كانوا يعرفون الكسب الحلال من الحرام ويتقربون لله بالنفقة الطيبة.
روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر، أمن البيت هو؟ قال: (نعم). قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: (إن قومك قصرت بهم النفقة). [كتاب الحج]
قال ابن حجر في فتح الباري: "قصرت بهم النفقة بتشديد الصاد أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره ويوضحه ما ذكر بن إسحاق في السيرة عن عبد الله بن أبي نجيح أنه أخبر عن عبد الله بن صفوان بن أمية أن أبا وهب بن عابد بن عمران بن مخزوم وهو جد جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا الطيب ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس وروى سفيان بن عيينة في جامعه عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أنه شهد عمر بن الخطاب أرسل إلى شيخ من بني زهرة أدرك ذلك فسأله عمر عن بناء الكعبة فقال إن قريشا تقربت لبناء الكعبة أي بالنفقة الطيبة فعجزت فتركوا بعض البيت في الحجر فقال عمر صدقت."اهـ
ومع كل هذا فقد حكم الله عز وجل عليهم بأنهم مشركون لأنهم عبدوه وعبدوا معه الأولياء والصالحين والأنبياء والملائكة والجن والشياطين والأحجار والأشجار.
وهم ما فعلوا ذلك إلا لأمرين اثنين:
الأول: طلب القربة:(( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ))[الزمر:3]
الثاني: طلب الشفاعة: ((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[يونس:18]
فهذا هو السبب الذي من أجله حكم الله عليهم بالشرك؛ هو أنهم كانوا يعتقدون في معبوداتهم أنها تشفع لهم وتقربهم إلى الله فدعوهم وتقربوا إليهم بالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة، فكانوا بذلك مشركين، لا لأنهم اعتقدوا فيهم أنهم يتصرفون في الخلق والإيجاد والإمداد والعطاء والمنع تصرفات استقلالية كما يدعي هذا المشرك .
القيد الثاني: أن يعتقد الداعي في المدعو أنه إله؛ فالجواب أن كل من سأل ودعا الغائب الذي لا يسمع ولا يقدر من الأموات والغائبين قضاء الحاجات وكشف الكربات فقد صرف لهم شيئًا من أنواع العبادة وقد اتخذهم آلهة، شاء ذلك أم أبى، وسواء سماه إلهًا أم لم يسمه كذلك، لأنه في حقيقة حاله اتخذه إلهًا أي معبودًا، ولكنه إله بباطل قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62]
ولكن هذا المشرك لا يفهم من كلمة إله إلا معنى الربوبية وإلا فمن المعلوم أن الإله في اللغة هو المعبود ، وفي لسان العرب: "كُلُّ مَا اتُّخِذَ مِنْ دُونِهِ مَعْبُودًا إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ" وفي القاموس المحيط: " ألَهَ إِلاهَةً وأُلُوهَةً وأُلُوهِيَّةً: عَبَدَ عِبادَةً، ومنه لَفْظُ الجلالِة.. وأصْلُه إِلهُ، كفِعالٍ، بمعنى مَأْلُوهٍ. وكلُّ ما اتُّخِذَ مَعْبُوداً إِلهٌ عند مُتَّخِذِهِ" وقال الطبي: " الإله فِعَالٌ بِمعنى: مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلهة، أي: عبد عبادة"
وقال الشيخ عبد الله أبا بطين: " فإذا علم الإنسان وتحقق معنى الإله، وأنه المعبود، وعرف حقيقة العبادة، تبين له أن من جعل شيئا من العبادة لغير الله، فقد عبده واتخذه إلها، وإن فر من تسميته معبودا وإلها، وسمى ذلك توسلا وتشفعا، والتجاء، ونحو ذلك. فالمشرك مشرك شاء أم أبى، كما أن المرابي مراب شاء أم أبى، وإن لم يسم ما فعله ربا، وشارب الخمر شارب للخمر وإن سماها بغير اسمها. 
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي أناس من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها" فتغيير الاسم، لا يغير حقيقة المسمى، ولا يزيل حكمه، كتسمية البوادي سوالفهم الباطلة حقا، وتسمية الظلمة ما يأخذونه من الناس بغير اسمه. 
ولما سمع عدي بن حاتم - وهو نصراني - قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة التوبة آية: 31]، قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لسنا نعبدهم; قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ قال: قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم".
فعدي رضي الله عنه ما كان يظن أن موافقتهم في ذلك عبادة منهم لهم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك عبادة منهم لهم، مع أنهم لا يعتقدونه عبادة لهم. 
وكذلك: ما يفعله عباد القبور، من دعاء أصحابها، وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور، عبادة منهم للمقبورين، وإن كانوا لا يسمونه ولا يعتقدونه عبادة." [الدرر السنية:11/62]
القيد الثالث: أن يعتقد الداعي في المدعو أنه يستحق العبادة، وهذا كسابقيه قيد باطل، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن وهو يرد على أحد أسلاف فريد الباجي: 
"وأما قول الملحد في ورقته: لعدم تحقق العبادة، إلا بعد اعتقاد استحقاق المعبود لها، 
فالجواب: هذا القيد ممنوع، وهو من جملة اختلاقاته، وأكاذيبه، لأنه فاسد شرعا، ولغة وعرفا؛ ومما يبين فساده: ما في الحديث من قصة الرجلين اللذين مرا على صنم قوم، لا يجاوزه أحد إلا قرّب له شيئا، فقالوا لأحد الرجلين: قرّب، فقال: ما عندي شيء أقرب، فقالوا: قرّب ولو ذبابا، فقرّب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار، أي: بتقريبه الذباب لصنمهم. 
وهو إنما قربه للتخلص من شرهم، من غير اعتقاد استحقاقه لذلك، فصار عبادة للصنم دخل بها النار؛ وهذا يدل على أن هذا الفعل منه هو الذي أوجب له دخول النار، لأنه عبد مع الله غيره بهذا الفعل. 
وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة. 
وأيضا: فقد قال أبو طالب: 
لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل 
وقوله يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ** ولقد صدقت وكنت ثم أمينا 
وعرضت دينا قد عرفت بأنه ** من خير أديان البرية دينا 
لولا الملامة أو حذار مسبة ** لوجدتني سمحا بذاك مبينا 
فثبت بهذا: أن أبا طالب لم يعتقد أن ما كان قومه عليه من الشرك حقا، ولم يمنعه من الدخول في الإسلام، إلا خوف أن يسب أسلافه فقط، ومع هذا مات مشركا، كما ثبت في الصحيح؛ وهذا يبين فساد هذا القيد. 
فإذا عرف ذلك، تبين أن هذا الرجل يختلق أقوالا، لا برهان عليها، ولا حجة. ثم إن من المعلوم أن كل من عبد معبودا غير الله، وأصر على عبادته له أنه يعتقد استحقاقه للعبادة؛ وهذا هو الغالب على المشركين في حق معبوداتهم، ولهذا تجدهم يجادلون عنها ويناضلون مجادلة من يعتقد أنها تستحق ما كانوا يفعلونه لها من العبادة."اهـ[ الدرر السنية:11/255]

===============
كشف شبهة:
يدعي هذا الملحد أن الأمة معصومة من الشرك فيقول: "هذه الأمة معصومة من الشرك، قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام صعد المنبر كما روى البخاري ومسلم وقال: والله ما أخاف أن تشركوا من بعدي" نحن نصدق رسول الله، ومن هنا تفهمون أمر: أن الذي يتهم المسلمين بالشرك فإنما هو يكذب رسول الله، لأن الرسول قال ما أخاف أن تشركوا من بعدي."اهـ
فهو يصرح بأنه لا يقع في هذه الأمة شرك، مريدًا بذلك أن ما يفعله الناس من دعاء وذبح ونذر واستغاثة وغير ذلك من أنواع القربات للأولياء والصالحين في قبورهم ليس بشرك، وأن أولئك الأقوام مسلمون وأن من سماهم مشركين فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُعرضًا بذلك عن النصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي أخبر فيها أن الشرك سيقع في هذه الأمة وأنه سيرجع كثير منها إلى عبادة الأوثان، وإن كانت طائفة منها لا تزال على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، ومن تلك النصوص ما يلي:
1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قلنا: يا رسول الله! آليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ )) [رواه البخاري وسلم] 
2- عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى يعبدوا الأوثان)) [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح؛ وقال الألباني: صحيح]
3- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس. حول ذي الخلصة)). [رواه البخاري ومسلم]
4- عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ))[رواه مسلم]
وأما ما شبه به هذا المشرك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها).[رواه البخاري وسلم] فليس فيه دليل على ما يريد ، قال الشيخ بن عثيمين:
"الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إنكم لن تشركوا حتى نقول إن ما وقع ليس بشرك لأن الرسول نفى أن يكون الشرك وهو لا ينطق عن الهوى لكن قال إني لا أخاف وهذا بناء على وقوع الدعوة في عهده صلى الله عليه وسلم وبيان التوحيد وتمسك الناس به لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة ويدل لهذا أنه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمته الأوثان أي جماعات كبيرة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك لكن خشي شيئا آخر الناس أسرع إليه وهو أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم"اهـ [شرح رياض الصالحين]
وقال ابن حجر: "قوله ما أخاف عليكم أن تشركوا أي على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا الله تعالى"اهـ [فتح الباري].
كشف شبهة:
يدعي هذا المشرك أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يعبد من دون الله فيقول: "هذه الأمة معصومة من الشرك ونبيها أيضاً قد عصم من أن يُعبد من دون الله"اهـ
ويريد بذلك أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وطلب الشفاعة منه بعد موته والوقوف أمام قبره ودعاءه قضاء الحاجات وكشف الكربات ليست شركًا، فيقول:" أتحداهم الذين يصفون من يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتوسل به أو يستغيث به أنه مشرك، أتحداه بالدليل والحجة.
أول حجة: ما أخرجه أبو داود والبيهقي بإسناد وطرق ثابتة قوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد من دونك، رسول الله دعاءه مستجاب، إذن هذا الحديث دليل لنا على أن الرسول قد استجاب له دعاءه فلن يعبد من دون الله، والغريب أنهم يحتجون علينا بهذا الحديث الصحيح ليمنعونا من أن نقف أمام واجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمنعوننا من الوقوف والدعاء والتوسل بسيد الكائنات صلى الله عليه وسلم، ويقولون شرك شرك. 
دليل آخر: أخرج الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس بسند صحيح بعد أن ذكر الحديث بطوله الاستغاثة بآدم ثم نوح حتى يصلوا إلى سيدنا عيسى عليه السلام، فماذا يجيبهم سيدنا عيسى؟ لست لها: "اذهبوا إلى أحمد إني عبدت من دون الله"؛ ما معنى إني عبدت من دون الله -مع أنه ليس ذنبه عليه السلام-: ولكن أنا لم أعصم من أن أتخذ إلهًا أما محمد صلى الله عليه فقد عصمه الله أن يعبد من دون الله فاسألوا الشفاعة من عنده، فإذن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يعبد من دون الله."اهـ
الجواب على شبهته الأولى: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد..)) [رواه مالك وصححه الألباني] ولم يقل: اللهم لا تجعلني معبوداً من دون الله، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه بأن لا يجعل قبره وثناً يعبد فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجدران، وليس فيه أنه دعا ربه بأن يعصمه صلى الله عليه وسلم من أن يعبد من دون الله.
قال الشيخ بن عثيمين: "يقول: ابن القيم: إن الله استجاب له فلم يذكر أن قبره صلى الله عليه وسلم جعل وثناً، بل إنه حمي قبره بثلاثة جدران فلا أحد يصل إليه حتى يجعله وثناً يعبد من دون الله، ولم نسمع في التاريخ أنه جعل وثناً. صحيح أنه يوجد أناس يغلون فيه، ولكن لم يصلوا إلى جعل قبره وثناً. ولكن قد يعبدون الرسول صلى الله عليه وسلم ولو في مكان بعيد."اهـ [مجموع الفتاوى]
* ثم إن زعم هذا المشرك أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- دعاءهم لا يرد ليس بصحيح.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: "إن دعاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- قد يرد وليس كل ما دعوا به أجيب، بل ربما امتنعت إجابتهم لحكمة يعلمها الله - عز وجل-، إما أنه قد سبق في القضاء ما يخالف ما دعوا به، أو لأنهم دعوا وشفعوا فيمن لم يرض الله قوله، أو نحو ذلك من الموانع.
ومن المتقرر في الكتاب والسنة أن الأنبياء ليس لهم حق في أن يجاب جميع ما دعوا به، ودعاؤهم حري بالإجابة وهم أرفع من غيرهم من أممهم، فإجابة سؤالهم إما إعطاؤهم عين ما سألوا، أو تأخير ذلك بالأجر الجزيل لهم.
وقد يستنكر بعض الناس هذا لكونه لم يرتو من علوم الكتاب والسنة، ولم يتفقه فيها، ولذا سأسوق بعض الدلائل لعلّها تكُفُّ بعض الناس، وتبصر أقواماً: 
فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال الله له: ))اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ(( [التوبة: 80]،فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم - وهو خير الخلق وأعظمهم قدراً عند الله – لو استغفر لأولئك المنافقين لم يغفر لهم، وذلك لوجود مانع يمنع الإجابة، وهو أن المُسْتَغْفَر له غير مرضي عنه، فشرط الرضى غير متحقق في المشفوع له؛ فلم يُجب الداعي فيما سأل، وفي الآية بيان لهذا بقوله: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ))، وقد تمتنع إجابة الله للرسول صلى الله عليه وسلم لحكمة يعلمها الله - جل وعلا- كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في "صحيحه"(8/171-172) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها )).
وأورد الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قول بعض شراح المصابيح: (اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة) فتعقبه بقوله (11/97): (وأما جزمه بأن جميع أدعيتهم مستجابة فيه غفلة عن الحديث الصحيح: سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة..الحديث) انتهى كلام الحافظ(1).
وأخرج البخاري (11/96) ومسلم (1/130-132) عن أبي هريرة وأنس ابن مالك ومسلم نحوه عن جابر قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة ))، هذا لفظ نسخة الأعرج عن أبي هريرة.
قال الحافظ في "الفتح":(وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة ولاسيما نبينا صلى الله عليه وسلم ، وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم فهو على رجاء الإجابة) اهـ.
وعلى هذا جرى أهل العلم وشراح الحديث، وقال الكَرْماني في"شرح البخاري"(22/122) عند شرح الحديث: (معناه لكل نبي دعوة مجابة البتة، وهو على يقين من إجابتها، وأما باقي دعواتهم فهو على رجاء إجابتها، وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب) انتهى.
وكذلك غيره من الأنبياء لهم دعوة مستجابة، وما كل ما دعوا به أجيب، فهذا نوح قال: ))رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(( [هود: 45،46)) فسأل نوح ربه الشفاعة في ابنه فلم يعطها؛ لأنه فقد شرط الرضى على الابن، ولذا قال: ((إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)).
وهذا إبراهيم خليل الله لم تنفع شفاعته في أبيه، وأمثال هذا معلوم لمن تدبر القرآن والسنة، مقرر فيهما أوضح تقرير وأبلغه، فإذا انتفى هذا عن الأنبياء، فالصالحون أولى وأولى."اهـ [كتاب: هذه مفاهيمنا]
الجواب على شبهته الثانية: إن الحديث له روايات أخرى كما في صحيح الإمام مسلم ذُكر فيها السبب الذي من أجله أحال عيسى عليه السلام الناس إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لا لأنه لم يٌعبد من دون الله كما يدعي هذا المشرك .
قال ابن حجر: "وفي حديث أبي هريرة فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى الى ما نحن فيه. مثل آدم قولا وجوابا لكن قال ولم يذكر ذنبا لكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد أني عبدت من دون الله وفي رواية أحمد والنسائي من حديث بن عباس: إني اتخذت إلها من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد: وأن يغفر لي اليوم حسبي قوله ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في رواية مسلم عبد غفر له الخ. زاد ثابت من ذنبه وفي رواية هشام غفر الله له وفي رواية معتمر: انطلقوا الى من جاء اليوم مغفورا له ليس عليه ذنب. وفي رواية ثابت أيضا خاتم النبيين قد حضر اليوم أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم. وعند سعيد بن منصور من هذا الوجه فيرجعون الى آدم فيقول أرأيتم الخ. وفي حديث أبي بكر ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض قال عياض اختلفوا في تأويل قوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل المتقدم ما قبل النبوة والمتأخر العصمة وقيل ما وقع عن سهو أو تأويل وقيل المتقدم ذنب آدم والمتأخر ذنب أمته وقيل المعنى انه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع وقيل غير ذلك قلت واللائق بهذا المقام القول الرابع وأما الثالث فلا يتأتى هنا؛ ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى فيما تقدم: "إني قتلت نفسا بغير نفس وأن يغفر لي اليوم حسبي" مع أن الله قد غفر له بنص القرآن: التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع شيء أصلا، فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع اشفاقه من المؤاخذة بذلك ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه، بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى أن الله أخبر أنه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد " [فتح الباري]
فضح افتراء:
يزعم هذا المشرك -كما في كلامه السابق- أن أهل السنة والجماعة دعاة التوحيد -الذين يسميهم وهابية- يقولون أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم شرك وأن من توسل به فهو مشرك؛ فيقول: "مسألة أن التوسل بالنبي في قبره بعد مماته شرك للقبور وعبادة لغير الله هكذا يزعمون" اهـ ويقول: "أتحداهم الذين يصفون من يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتوسل به ... أنه مشرك" اهـ .
وهذا من افتراءاته الكثيرة، فإن أهل السنة يقولون -كما قال الشيخ سليمان بن عبد الله لما سأل عن مشروعية التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم- : "إن التوسل بذات المخلوق، أو بجاهه غير سؤاله ودعائه; فالتوسل بذاته أو بجاهه، أن يقول: اللهم اغفر لي وارحمني، وأدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، فهذا بدعة ليس بشرك. 
وسؤاله ودعاؤه، هو أن يقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة، وأنا في كرب شديد فرج عني، واستجرت بك من فلان فأجرني ونحو ذلك؛ فهذا كفر وشرك أكبر، ينقل صاحبه عن الملة، لأنه صرف حق الله لغيره، لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله ; فمن دعاه فقد عبده، ومن عبد غير الله فقد أشرك. والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر، وكثير من الناس لا يميز، ولا يفرق بين التوسل بالمخلوق أو بجاهه، وبين دعائه وسؤاله؛ فافهم ذلك، وفقنا الله وإياك لسلوك أحسن المسالك. " [الدرر السنية:2/53]
وقال الشيخ الألباني في كتاب ألفه لأجل بيان التوسل المشروع بأنواعه وأحكامه والرد على شبهات مجوزي التوسل الممنوع:
التوسل المشروع الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وجرى عليه عمل السلف الصالح، وأجمع عليه المسلمون وهو:
1 – التوسل باسم من أسماء الله تبارك وتعالى أو صفة من صفاته.
2 – التوسل بعمل صالح قام به الداعي.
3 – التوسل بدعاء رجل صالح.[يأتي لرجل حي حاضر يسمع يقدر ويطلب منه أن يدعو الله له]
وأما ما عدا هذه الأنواع من التوسلات ففيه خلاف، والذي نعتقده وندين الله تعالى به أنه غير جائز، ولا مشروع، لأنه لم يرد فيه دليل، تقوم به الحجة – وقد أنكره العلماء المحققون في العصور الإسلامية المتعاقبة، مع أنه قد قال ببعضه بعض الأئمة، فأجاز الإمام أحمد التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وحده فقط، وأجاز غيره كالإمام الشوكاني التوسل به وبغيره من الأنبياء والصالحين: ولكنا – كشأننا في جميع الأمور الخلافية – ندور مع الدليل حيث دار ولا نتعصب للرجال، ولا ننحاز لأحد إلا للحق كما نراه ونعتقده، وقد رأينا في قضية التوسل التي نحن بصددها الحق مع الذين حظروا التوسل بمخلوق، ولم نر لمجيزيه دليلاً صحيحاً يعتد به، ونحن نطالبهم بأن يأتونا بنص صحيح صريح من الكتاب أو السنة فيه التوسل بمخلوق، وهيهات أن يجدوا شيئاً يؤيد ما يذهبون إليه، أو يسند ما يدعونه، اللهم إلا شبهاً واحتمالات، سنعرض للرد عليها بعد قليل." اهـ [التوسل أنواعه وأحكامه].
* وأما زعم هذا المشرك بأن دعاة التوحيد –الذين يسميهم وهابية- يحكمون بالشرك على من يمدح النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من دجله وتلبيسه على الناس، فإن أهل السنة لا ينكرون مدح النبي صلى الله عليه وسلم بكلام حق كما كان يفعل حسان بن ثابت وقيس بن مالك رضي الله عنهما، ولكن ينكرون الغلو في المدح حتى يعطى حق الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل البوصيري في قصيدته البردة.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "اعلم: أن البردة التي تنسب للبوصيري، قد ضمنها أبياتا شركية، تنافي ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيده. وقد افتتن بها كثير من الناس، وجعلوها أفضل من الأوراد النبوية التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم اشتغل بها عن القرآن.
ومن المعلوم عند أهل السنة والجماعة: أن أبيات حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير وأمثالهم، أفضل منها لوجوه: منها: أنه على الوجه العربي. ومنها: أن اللغة سليقتهم. ومنها: أنه ليس فيها من الإطراء- الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - شيء. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعها واستحسنها، وهم صحابته. وهؤلاء عدلوا عنها إلى شعر المولدين، الذين جمعوا فيه الغث والسمين، وتصرفوا في الدين بآرائهم التي لم ينزل الله بها سلطانا."اهـ[الدرر السنية:11/216]
وقال الشيخ بن باز: "في الصحيح يقول-عليه الصلاة والسلام-: ( لا تطروني كم أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ، معناه لا تزيدوا في مدحي لا تمدحوني بغير الحق كأن يقال أنه يعلم الغيب, أو أنه يعبد من دون الله، أو أنه ينقذ أقاربه من النار ولو كفروا أو ما أشبه ذلك, لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ومن الإطراء ما فعله صاحب البردة حيث قال: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يازلـة القـدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذا من أقبح الظلم, فيها كفر أكبر جعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المنقذ يوم القيامة, وأنه لا ملاذ للناس إلا هو-عليه الصلاة والسلام-, وأنه يعلم الغيب, ويعلم ما في اللوح والقلم, وأن الدنيا والآخرة من جوده, كل هذا ضلال وكفر والعياذ بالله, كذلك من قال في حقه-عليه الصلاة والسلام-أنه يدعى ويستغاث, ويتقرب إليه بالذبائح والنذور هذا غلو وإطراء زائد لا يجوز, بل هذا هو الشرك الأكبر حق الله لا يعطى لغيره حق الله العبادة لايعطاها النبي ولا غير النبي عليه الصلاة والسلام، وأما هذه العبادة التي تفعلها الصوفية من الرقص, والأغاني, وطعن بعضهم بالرماح, والسيوف وما أشبه ذلك من أعمالهم الخبيثة هذه بدع أحدثها الصوفية لا أساس بل هي من المنكرات, والواجب تركها, ونهيهم عنها وتحذيرهم منها, وعدم مجالستهم, وعدم اتخاذهم أصحاباً لأنهم افتروا على الله بهذا, وكذبوا عليه بزعمهم أن هذا دين وأنه قربة, فليس ضرب الدفوف, والأغاني, واستعمال ضرب السيوف, أو الخناجر, أو السكاكين, أو الأشعار المخالفة للشرع ليست قربة لله ولا طاعة لله, بل هذا منكر ولا يجوز أن يتعاطاه المسلم, إلا الدف في العرس للنساء خاصة من باب الفرح تضربه النساء, أو الجواري في الأعياد لأنهن صغار, ولهن فرحة كما جاء في حديث عائشة في قصة الجاريتين اللتين ضربتا الدف في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم العيد هذا لابأس به مستثنى, وأما إذا تعاطاه العباد أو الرجال بالموسيقى والأغاني هذا منكر, وفعل الصوفية كله منكر هذا الذي ذكره السائل, فالواجب الحذر من ذلك, وهذا بسبب طاعتهم للشيطان و تمكن الشيطان منهم يسقطون في هذه الألعاب, ويغشى عليهم, ويزين لهم الشيطان إن هذا من القرب والطاعات, وهذا من طاعة الشيطان, وعبادة الشيطان نسأل الله العفو نسأل الله لنا ولهم الهداية ."اهـ [فتاوى نور على الدرب]
يتبع إن شاء الله
أضف المادة إلى |
===========
كشف شبهة:
يجوز هذا المشرك الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيما لا يقدر عليه إلا الله، ويلبس على الناس بأحاديث : 
الحديث الأول: حديث الشفاعة وأن الناس يوم القيامة يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "لو كانت الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً يغضب الله فلماذا الناس يوم القيامة يطلبون رضاء الله بالشرك، فلماذا الله يخف عنهم؟ فلو كانت الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً لما رضي بها يوم القيامة وجعلها سبباً في نجاة الناس من هول الموقف."اهـ
الجواب: قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: "لهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذرون حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا.
والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه، فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما قال في قصة موسى: ((فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ))[القصص:15]، وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها في الأشياء التي يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.
إذا ثبت ذلك، فإن استغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منها أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرْب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة، [وذلك] أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك وتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السَّلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسِه."اهـ [كشف الشبهات]
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه لكلام الإمام محمد بن عبد الوهاب: 
فهذه شبهة أخرى جديدة ذكرها الإمام المجدد رحمه الله تعالى بأن أهل الشرك في زمانه من العلماء وأشباههم كانوا يوردونها على الشيخ رحمه الله مستدلين بهذه الشبهة على إبطال توحيد الله جل وعلا في عبادة الاستغاثة، والمشركون حين احتجوا بهذه الشبهة وجادلوا بها يريدون إبطال الأصل الذي يعتمد عليه الموحدون، وهو أن صرف العبادة لغير الله جل وعلا شرك أكبر، فهم استدلوا ببعض ما ورد لإبطال توحيد العبادة، ويريدون بعد هذا أن يقصروا الشرك في عبادة الأصنام وفي عبادة الأوثان التي كان عليها أهل الجاهلية في الزمن الأول على ما فهموه من عبادة الأصنام والأوثان.
وهذا الإيراد الذي ذكره الشيخ رحمه الله من العجب أنه تتابع عليه الذين ردوا على الشيخ قبله؛ يعني في زمانه وبعده رحمه الله تعالى، فالذين كتبوا في تجويز الاستغاثة بالقبور وبالمقبورين وبالأولياء الصالحين وغير الصالحين، هؤلاء احتجوا بهذا الدليل وهو أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، وهذا النوع من الاستغاثة هي استغاثة بعد الممات، فيقولون الممات حلَّ والاستغاثة هذه بعد الممات، وحياتهم في قبورهم كحياتهم في الموقف ولا فرق إذ هذا وهذا حياة لهم، فيستدلون بالاستغاثة بآدم وبنوح وبإبراهيم بموسى ثم بعيسى ثم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يستدلون بذلك على أن الاستغاثة بغير الله جل وعلا ممن ليس في الحياة الدنيا جائزة.
وهذا هو الذي ذكره الشيخ رحمه الله هنا حيث ساق ما ساق قال في آخر كلامه (قالوا: فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركًا فالجواب أن نقول) وقبل سياق جواب الإمام رحمه الله تعالى نذكر أصلا في أصل شبه المشبهين من المشركين وذلك أن توحيد العبادة أدلته كثيرة محكمة والمجيب على الشبه إذا اشتبه عليه جواب، فإنه يعود إلى الأصل وهو تقرير الأدلة التي جاءت في توحيد العبادة، ثم يُدخل الصورة هذه التي أوردها المشبه في تلك الأدلة حتى يبطل الاستدلال من وجه إجمالي فهذه طريقة نافعة.
ثم بعد ذلك يأتي إلى الجواب الذي يكون فيه تخصيص بتلك المسألة التي احتجوا عليها ببعض الأدلة، ومسألة الاستغاثة راجعة إلى الدعاء، فإن الاستغاثة طلب ودعاء؛ لأن الأصل في فعل (استفعل) أي طلب الشيء، وقد يكون من غير الطلب في مواضع متعددة، فإذا أوتي بـ(استفعل) فإنها تحمل على الطلب لأنها تدل عليه في مواضع فاستسقى طلب السقيا، واستغاث طلب الغوث، واستعان طلب العون إلى آخر أمثال ذلك.
فإذا كانت طلبا فإنها سؤال وإنها دعاء، ولهذا الأدلة العامة في الكتاب والسنة امنع السؤال بغير الله جل وعلا تمنع دعاء غير الله تمنع الطلب من غير الله جل وعلا كما في قوله ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا))[الجن:18]وكما في قوله جل وعلا ((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ))[المؤمنون:117]، وبخصوص الاستغاثة قال جل وعلا ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ))[الأنفال:9]، وكما في قوله ((إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ))[الرعد:36]، ونحو ذلك من الآيات التي فيها إفراد الله جل وعلا بالطلب وإذا كان كذلك في القرآن فهذا عام يشمل ما يقدر عليه المطلوب منه وما لا يقدر عليه وكذلك ما جاء في السنة من قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» حتى السؤال والطلب من مخلوق لا يجوز بل يجب إفراد الله بالطلب هذه أدلة الكتاب والسنة في هذا بخصوصه.
لكن هذا العموم أو هذا الإطلاق ورد ما يقيده في النصوص، فالنصوص العامة كما ذكرنا لك أو المطلقة تمنع السؤال مطلقا إذا سألت فاسأل الله بلا تفصيل، هل يقدر أو لا يقدر؟ هل هو حي أم ليس بحي؟ هل هو حاضر أم ليس بحاضر؟ إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وكذلك ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا))[الجن:18] لكن جاء في القرآن والسنة تقييدات جعلتنا نقيد هذا العموم نقيد هذا الإطلاق أو نخص هذا العموم ببعض الصور، ولهذا القيود في الأدلة ظاهرة فجعلوا تلك المطلقات مشروطة بشروط ولهذا قال العلماء تلك المطلقات ينظر في النصوص هل قيدت أم لا ؟ كفهم عام فإنه يبقى على عمومه حتى يرد مخصص كفهم مطلق فإنه يبقى على إطلاقه حتى يرد ما يقيده فنظرنا في القرآن فوجدنا أن الرب جل وعلا ذكر أن نبيه موسى عليه السلام في أول سورة القصص ذكر قوله جل وعلا (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) فعلمنا بذلك أن موسى عليه السلام وهو نبي الله وكليم الله وإن كان هذا قبل أن يوحى إليه فهو ليس إذ قال ذلك بمشرك الشرك الأكبر لأن الأنبياء منزهون عن الشرك الأكبر قبل النبوة وبعدها من باب أولى كما هو واضح ظاهر.
فإذن قوله (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) هنا الله جل وعلا ذكر الاستغاثة فدل على أن هذا النوع من الطلب خارج عن الإطلاق، فهذا ننظر في هذا الحال في بساط الحال في هذه الآية، فنقول: هذا طلب الغوث من موسى وهو حي أمامه وهو قادر لأنه وكزه فقضى عليه أو أنه في محل القدرة، أي في حكم القادر وكذلك أنه يسمع خطابه، فظهر لنا من هذا الدليل قيودات.
وكذلك نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم استغاثوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته في مواضع، وإذا كان كذلك فإنهم استغاثوا بمن يسمع وهو حي ويقدر على أن يغيثهم.
وكذلك إجازة طلب الغوث بهذه فيما يستغيث المرء بمن هو يقدر على إجابة ما به من كرب؛ يعني بشروطه.
فدلنا ذلك على أن تلك المعلومات ((إذا سألت فاسأل الله)) ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) مقيدة، فلهذا قيّد العلماء بهذه النصوص المقيدة العموم فقالوا إذا كان المستغاث به المسؤول المطلوب إذا كان حيا -يخرج الميت-، إذا كان قادرا على الإنفاذ أو بحكم القادر، إذا كان حاضرا يسمع فإن الأدلة دلت على جواز الطلب منه وعلى جواز الاستغاثة به وعلى جواز الاستعانة، فإن كان غائبا فإنه يبقى العموم على بابه يبقى المطلقات على بابها، فإن كان غير حي فيبقى.
فإذن هنا العمومات بالإجماع يعمل بها والمطلقات بالإجماع يعمل بها العموم مثل قوله ((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)) ومثل قوله ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) وأشباه ذلك، فيُعمل بالعموم حتى يرد المخصص، وهنا المخصصات المنفصلة كما يرد في الأصول دلتنا على اعتبار الشروط.
فإذن من منع هذا منع الاستغاثة بغير الله جل وعلا فيما لا يقدر عليه ذلك المستغاث به، مستمسك بالأصل مستمسك بالعمومات، مستمسك بالأدلة المحكمة في هذا الباب، فمن أجاز صورة من الصور فهو الذي عليه الدليل.
ولهذا نقول هذا الدليل الذي أورثتموه لا يخرج عن القيود التي ذكرناها، هذه الشبهة بالاستدلال بهذا الدليل لا يخرج عما ذكرناه؛ بل هو مؤيد ودليل من السنة على ما ذكرناه من القيود.
واستدلالكم به على أن الحياة التي بعد الموت لا تسمى حياة وإنما هي حياة الدنيا ثم بعده موت ويوم القيامة والبعث له حكم ما قبل الموت؛ لأن هؤلاء أحياء في قبورهم، ثم بعد ذلك هم أحياء، فلا فرق نقول هذا لا يستقيم مع الأدلة الكثيرة في القرآن في أن الناس أُحيوا حياتين وأميتوا ميتتين قال جل وعلا ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً))[البقرة:28]، يعني في بطون أمهاتكم فأحياكم بنفخ الروح ثم يميتكم بذهاب الروح ثم يحييكم بعود الروح، وكذلك قوله جل وعلا في سورة غافر ((رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ))[غافر:11]، فدل على أن النصوص فيها حياتان وفيها مِيتتان، فمن جعل الموت والحياة حالة واحدة كحال هؤلاء المشبهة الذين أوردوا هذه الشبهة فإن النصوص تبطل هذا الإيراد، فهذا الإيراد هذه الشبهة مبطلة كما ذكرنا من هاتين الجهتين:
أولا من حيث إن هذا الدليل هو لنا وليس علينا؛ لأن فيه القيود بأن هؤلاء أحياء يتكلمون قادرون، آدم قادر على الدعاء، نوح قادر على الدعاء، وموسى قادر على الدعاء، ومحمد عليه الصلاة والسلام قادر على الدعاء، وعيسى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قادر على الدعاء، ثم نقول إن هؤلاء كانوا في حياة ثم صاروا إلى موت، وهم مع موتهم في حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء؛ لكن فرق بين أحكام الموت وأحكام الحياة، ثم يصيرون إلى حياة، فدل على تنوع الأحوال فلكل حال دليلها الذي يخصها.
فإذن أولا جواب الشبهة هذه العمومات باقية، أدعاء هذا الدليل يصلح لجواز الاستغاثة بغير الله جل وعلا باطل؛ لأنهم استدلوا بدليل في الحياة والكلام معهم في الممات إذا قالوا الممات وما بعده من يوم القيامة كل هذا يعتبر نوع واحد من الحياة، نقول النصوص دلت على أن ثمة حياتين وثمة موتين، فإذن يحتاجون إلى دليل آخر ولا دليل عندهم.
هذا تقرير لهذه المسألة، ولك أن تُنَظِّرَ مثلها في كل أنواع الطلب، كل الأنواع التي يستدلوا بها في أنواع الطلب تستدل بمثل هذا؛ لأنهم يوردون بعض الأدلة والآثار والإشراك بالله في مثل هذا ولك أن تطرد هذا في أمثاله.
قال الإمام رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة (والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه) وهذا تنبيه من الله جل وعلا في مسألة عظيمة وهي مسألة القدر؛ لأنهم طبع على قلوبهم فلا يفقهون إلا قليلا، (فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها)، تستدلون بشيء ليس هو في المسألة التي فيها البحث، المسألة التي فيها البحث الاستغاثة بالأموات، الاستغاثة بمن لا يقدر، وأنتم تستدلون بدليل ليس في محل الدعوى فلا شك أن هذا باطل عند جميع العقلاء استدلال في بدليل ليس بمحل الدعوى استدلال باطل، فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها، وتلحظ هنا قوله فيما يقدر عليه، وفي آخرها قال (في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله)، وبين العبارتين فرق، هنا (فيما يقدر عليه) وهناك (فيما لا يقدر عليه إلا الله).
والجواب عن هذا الإيراد أن ضابط الاستغاثة كما ذكره في أول الكلام أن الاستغاثة بالمخلوق جائزة فيما يقدر عليه، والاستغاثة الشركية وأن يسنغيث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق أو فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن بين العبارتين فرقا، هو لا يقدر ولكن الآخر يقدر قد لا يقدر هو ولكن الآخر يقدر، وهذه من حيث الاستغاثة بغير الله جل وعلا مما لا يقدر عليه ذلك الغير يحتاج إلى تفصيل، وقد ذكرنا شيئا من تفصيلها في شرح كتاب التوحيد كما هو موجود في شروح كتاب التوحيد.
وخلاصة الأمر أن الضابط الأيسر أن تقول فيما لا يقدر عليه إلا الله، وأما فيما يقدر عليه المخلوق بأنه جائز، وفيما لا يقدر عليه المخلوق لأنه شرك هذه تحتاج إلى ضوابط.
فمثال ذلك لو استغاث بمهندس للعمارة فيما يتعلق بأمر طبي، هو لا يقدر على ذلك، صحيح؟ إنما يقدر عليه الطبيب لكن هنا الاستغاثة لا نقول إنها شرك أكبر لأن هذا جنسه وليست القدرة على ما يقدر عليه الطبيب بخصوصه بل القدر متنوعة، يأخذه ويذهب به إلى طبيب يكون معه إلى آخر الأنواع ولهذا بعض أهل العلم يعبر بقوله إن الاستغاثة بالميت فيما لا يقدر عليه أو الاستغاثة بالغائب فيما لا يقدر عليه إنها شرك أكبر، وهذه لا تنضبط عند أكثر الناس فهي صحيحة لكن تحتاج إلى عالم يضبطها لأن المسائل متشابهة فالذي يضبط المسألة هو قول الشيخ بآخر الكلام أو بغيبته في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله؛ يعني إذا طلب من المخلوق الميت أو الغائب شيء لا يقدر عليه إلا الله فإنه يكون شركا أكبر أما فيما يقدر عليه المخلوق لكن هذا المخلوق المعين لا يقدر عليه، قد تكون وقعت شبهة عند المستغيث وحال الاستغاثة يكون هناك ضعف، وقد يكون هناك ظن أن هذا يقدر أن يضيف إلى آخر مات يتصل بهذا مما ذكرنا شرحه.
المقصود من هذا أن الضابط الأخير الذي ذكره الشيخ في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله هذا ضابط صحيح كما ذكره الشيخ في الحكم بالشرك والأول في الحكم بالجواز، لهذا الشيخ نوّع العبارة فقال الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائز، والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر.
وهذا ضابط صحيح وهو أحسن من أن نقول في المقامين فيما يقدر عليه المخلوق أو فيما لا يقدر عليه بما يحصل معه من الاشتباه.
قال رحمه الله (وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأشياء التي يقدر عليها المخلوق ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم) استغاثة العبادة يعني طلب الغوث من الغائبين مع اعتقاد أن لهم تدبيرا في غيبتهم هذه استغاثة العبادة، ويكون معها رجاء وخوف، أو رجاء ومحبة أو خوف ومحبة أو الثلاثة معا.
فإذن الاستغاثة منها ما هو عبادة ومنها ما ليس بعبادة، وما أنكرناه هو استغاثة العبادة، وهو أن يستغيث بغائب إما ميت أو حي غائب فيما يقدر عليه إلا الله جل وعلا يستغيث به في شفاء مرضه، يستغيث به في أن يخلص من المدلهمات التي أصابته، في كشف الكربات في إزالة المصائب التي أصابته، في مغفرة الذنب في إتيانه الولد في تأمينه مما يخاف إلى آخر ذلك.
قال (إذا ثبت ذلك) يعني الجواب الأول الذي ذكره الشيخ وجه الاستدلال لصالحهم، قال هذا الدليل لنا وليس علينا ثم قال (إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الله حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف وهذا جائز في الدنيا والآخرة) جوازه في الدنيا لأنه يجوز أن تطلب من أحد في الدنيا أن يدعو لك؛ لأنه يقدر على هذا الشيء، كذلك في الآخرة يجوز أن تطلب أن يدعو لك لأنه يقدر على ذلك وهاتان حياتان، والكلام في الموت، الكلام في الموت أو حين الغيبة هو محل النزاع قال (أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك وتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله ( يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره) يعني أن الصحابة لم يرد عنهم شيئا البتة وحاشاهم وكلا أنهم أتوا قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستغاثوا به، أو أتوا قبره فاستشفوا به طلبوا منه الدعاء فهذا لم يكن يفعله الصحابة رضوان الله عليهم بعد موته البتة، قال (بل أنكر السَّلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ نفسِه) يعني السلف كما في قضية علي بن الحسين وعدة حوادث في هذا عن السلف أنهم أنكروا من يأتي إلى القبر للدعاء، وإنما من دخل المسجد أن من أتى من سفر كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما وغيره يأتي فيسلم عن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ سلاما، أما أن يتخذ القبر للدعاء يعني ما حول القبر أو أنه يدعى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ نفسه هذا لم يكن عند السلف؛ بل بعضهم غلط ودعا الله جل وعلا وحده عند القبر فأنكر عليه بعض السلف كما ذكرت لك، إذا أنكروا على من قصد القبر لدعاء الله جل وعلا فكيف لا يُنكرون من قصد القبر لدعاء المقبور نفسه، لا شك أن هذا أولى بالإنكار.
المقصود من هذا أن الشبهة هذه ليست بمستقيمة؛ بل هي داحضة كما هي شبه أهل الشرك، ولله الحمد أهل السنة وأهل التوحيد ليس لهم غرض في هذا الأمر، لم يأتوه عن هوى لم يأتوه عن شهوة وإنما أتوه تطبيقا لما جاء في الكتاب والسنة ورعاية لما ورد وإقامة لحق الله جل وعلا فلو أجاز الله جل وعلا ذلك لاتبعناه كما قال سبحانه ((قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ))[الزخرف:81]، لو أجاز الرب جل وعلا ذلك لاتبعناه ولكن لا دليل البتة يجيز هذا لأن هذا هو الشرك الأكبر."اهـ [شرح كشف الشبهات]
الحديث الثاني: ما أورده بن كثير في البداية والنهاية أن رجلا جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يستسقي لأمته، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: (ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون، وقل له: عليك بالكيس الكيس) وأن الحافظ بن حجر صحح إسناد هذه القصة، يقول: "بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه صاحبي جليل لما أصاب المسلمين في عهد سيدنا عمر بن الخطاب قحط أقبل على مقام النبي صلى الله عليه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وقال: "يا رسول الله اغث أمتك" فنزل الغيث من السماء وجاءه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له لقد أجبناكم وقل لعمر: "الكيس الكيس" وكان هذا الفعل بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وأقروه، هذا الحديث أخرجه أبن أبي شيبة في مصنفه، ويقول الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري إسناده صحيح."اهـ
الجواب: قال الشيخ صالح آل الشيخ: الكلام هنا في مبحثين: 
الأول: الحافظ ابن كثير ساق قبل رواية البيهقي رواية سيف، وفيها أن عمر- رضى الله عنه- صعد المنبر فقال للناس: أنشدكم الله الذي هداكم للإسلام هل رأيتم مني شيئاً تكرهون؟ فقالوا: اللهم لا. وعم ذلك؟ فأخبرهم بقول المزني وهو بلال بن حارث. ففطنوا ولم يفطن. فقالوا: إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا. ا هـ المقصود. وهذه الرواية مبينة أن قول نبي الله لعمر في رواية سيف: (( عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر )) هو ما فسرها صحابة رسول الله (ففطنوا ولم يفطن عمر) كما جاء صريحاً، وهو إرشاده للإستسقاء. 
وفي هذا سرّ لطيف وهو أن قول القائل: (يا رسول الله!استسق الله لأمتك) منكر، جره تباطؤ عمر عن طلب السقيا، وعدم الفزع إلى المشروع، يجر إلى وجود غير المشروع، فلذا قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: 
((عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس )). أقول هذا مع ضعف الرواية، لأبين مقصد ابن كثير حين ساق الروايتين الضعيفتين.. 
إذا تبين هذا عُلم فضل علم ابن كثير- رحمه الله - حيث جعل رواية البيهقي هي الثانية، ورواية سيف المفصَّلة معنى الكيس هي الأولى، فتأمل هذا! وتبين مقاصد الحفاظ في أحكامهم. ويقال: تأخر عمر عن الاستسقاء وهو العبادة المشروعة التي يحبها الله، لما فيها من الذل بين يديه، والانكسار له، وتوجه القلوب بصدقٍ وإخلاص نحو ربها لكشف ضرها، إن تأخر عمر عن الاستغاثة المشروعة سبب هذا الأمر غير المشروع. ولذا؛ لم يفعل أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعل هذا الرجل الذي جاء إلى قبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال ما قال، وهم إنما سقوا باستسقائهم، لا بقول الرجل غير المشروع. فتنبه لهذا. 
الثاني: أن هذه الرواية التي ساقها الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي في "دلائل النبوة" فيها علل يعلل بها المحدثون: الأولى: عنعنة الأعمش، وهو مدلس، والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما قال فيه (حدثنا) و (أخبرنا) ونحوها، دون (قال) أو (عن)، إذ احتمال أنه أخذه عن ضعيف يهي الحديث بذكره، كما هو معلوم في "مصطلح الحديث"، مع أن الأعمش في الطبقة الثانية من المدلسين عند الحافظ وغيره. الثاني: مالك الذي في إسناده والذي هو عمدة الرواية مجهول، وذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيها تعديلاً ولا جرحاً، فهو مجهول. والمجهول لا يقبل حديثه. وابن كثير إنما صحح الإسناد على طريقته في توثيق مجاهيل كبار التابعين كما يعلم من تتبع صنيعه في التفسير وغيره. وإذا كان مجهولاً فلا علم لنا بتاريخ وفاته. الثالث: أن أبا صالح وهو ذكوان الراوي عن مالك لا يعلم سماعه ولا إدراكه لمالك، إذ لم نتبين وفاة مالك، سيما ورواه بالعنعنة فهو مظنة انقطاع، لا تدليس. الرابعة: أن تفرد مالك المجهول به رغم عظم الحادثة وشدة وقعها على الناس إذ هم في كرب شديد أسودَّ معه لون عمر بن الخطاب، إن سبباً يفك هذه الأزمة ويرشد إلى المخرج منها مما تتداعى همم الصغار فضلاً عن الكبار لنقله وتناقله، كما في تناقلهم للمجاعة عام الرمادة، فإذا لم ينقلوه مع عظم سبب نقله دل على أن الأمر لم يكن كما رواه مالك، فلعله ظنه ظناً."اهـ [كتاب: هذه مفاهيمنا رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح]
وقال: "منزلة الحافظ لا مكان للمجادلة فيها فهو عَلَم أشم في علوم الحديث، ولكن الشأن في فهم من ينتسب إلى العلم، ولا يدرك ألفاظ الحافظ ومدلولاتها. 
فالحافظ المِدْره الجهْبذ ابن حجر لم يصحح إسناده مطلقاً كما زعمه صاحب المفاهيم، إنما قال: (بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار...) اهـ 
ومعنى هذا أن الحافظ صحح سنده إلى أبي صالح السمان، وما ذكر من رجال إسناده لم يقل بصحته كما هو ظاهر لأهل العلم، ففرق بين قوله هذا وبين ما لو قال: (بإسناد صحيح أن مالك الدار قال...)، فتبين أن كلام الحافظ هذا لا يمنع من علتين سبق تعليلُ الحديث بهما. الأولى: جهالة مالك الدار. الثانية: مظنة الانقطاع بين أبي صالح ذكوان وبين مالك الدار، إذا تقرر هذا واتضح، عُلم فضل قول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - على قول ابن كثير الذي سبق. ومنه يتبين ضعف الأثر، ثم قد أوضحت أنه لا حجة في لفظه، بل ينعكس به الاستدلال على صاحب المفاهيم، وذلك إذا سلمت النفوس، وارتضت قواعد أهل العلم طريقاً وسبيلاً للوصول للحق، ومن لم يكن كذلك فلا يباليه أهل العلم باله، ولا يأخذون بالوزن مقاله."اهـ [كتاب: هذه مفاهيمنا رد على كتاب مفاهيم يجب أن تصحح]
===========
========
الشيخ صالح الفوزان: "بعض الجهال أو المغرضين يستنكرون الكلام في أسباب الردة عن الإسلام ويصفون من يتكلم في ذلك بأنه تكفيري ويحذرون منه" اهـ[شرح نواقض الإسلام ص:20]
قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: وهذه الشبهة التي ذكرنا [ نكفر النوع ولا نعين الشخص المتلبس بالشرك إلا بعد التعريف] قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد رحمه الله ولكن مَنْ وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها، وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلا ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويُجَهِّلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب، لأن لهم في ذلك هوى وهو مخالطة المشركين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، الله أكبر ما أكثر المنحرفين وهم لا يشعرون.. [حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة]

منقول
ابوزينب 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق