الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الخلط بين عبدالله بن ابي السرح والنصراني

التفريق بين عبد الله بن أبي سرح وغيره ممن ارتد وادَّعى أنه كان يحرِّف الوحي


السؤال:

عبد الله بن أبي السرح هو شخصية إسلامية جدلية في التاريخ الإسلامي حيث كان من كتَّاب الوحي ثم ارتد عن الاسلام ، هل كان يحرِّف بعض الآيات في القرآن ؟ .

الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ثمة خلط عند كثيرين بين شخصيتين ارتدتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومما جعل الأمر كذلك اشتراكهما في كتابة الوحي ، ووقوع الردة منهما ، إلا أن الحقيقة أنهما شخصيتان مختلفتان ، فالأول هو " عبد الله بن سعد بن أبي سرْح " ، والثاني هو رجل نصراني لا يُعرف اسمه ، والأول كان ارتد ثم رجع إلى الإسلام في " فتح مكة " ، والثاني بقي على ردته ومات ولفظته الأرض وكان آية للناس ، والثاني هو الذي زعم أنه كان يغيِّر في كتابة الوحي ليس الصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح .

ثانياً:
أما الأول : فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، أبو يحيى القرشي العامري ، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه ، ثم استأمن له عثمان فأمَّنه النبي صلى الله عليه ، وأسلم وحسن إسلامه .
عَنْ سَعْد بن أبي وقَّاص قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ ، قَالَ : وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ) فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ ( إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ) .
رواه النسائي ( 4067 ) وأبو داود ( 2683 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
وقد ولاَّه عثمان رضي الله عنه على " مصر " ، وهو الذي قاد معركة " ذات الصواري " ، وقد غزا إفريقية ففتح كثيراً من مدنها ، واعتزل فتنة علي ومعاوية رضي الله عنهما ، ثم خرج إلى " الرملة " في " فلسطين " ، فلما كان عند الصبح قال " اللهم اجعل آخر عملي الصبح " فتوضأ ثم صلَّى فسلم عن يمينه ثم ذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه ،
وكان ذلك في سنة تسع وخمسين .
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله :
"لم يتعدَّ ، ولا فعل ما يُنقم عليه بعدها – أي : بعد فتح مكة - ، وكان أحد عقلاء الرجال وأجوادهم "انتهى من" سير أعلام النبلاء " ( 3 / 34 ) .
ولينظر " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " لابن عبد البر ( 3 / 52 ) ، و " الإصابة في تمييز الصحابة " ( 4 / 110 ) .
ولم نقف على رواية صحيحة الإسناد أن عبد الله بن أبي سرح كان يحرِّف الوحي ، وإنما في قصته أنه " أزلَّه الشيطان " .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
رواه النسائي ( 4069 ) وأبو داود ( 4358 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي " .

ثالثاً:
أما الثاني : فهو الرجل الذي كان نصرانيّاً ثم أسلم وارتدَّ على عقبه ، وكان يقول إنه كان يغيِّر ما كان يلقيه عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كلام ، فأهلكه الله تعالى هلاكاً يكون فيه عبرة لغيره من الشاتمين للرسول صلى الله عليه وسلم والطاعنين في دينه .
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَادَ نَصْرَانِيًّا فَكَانَ يَقُولُ : مَا يَدْرِى مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ ، فَقَالُوا : هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِى الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا ، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ .
رواه البخاري ( 3421 ) ومسلم ( 2781 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً ، وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله وأنه كان كاذباً إذ كان عامَّة الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد ؛ إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن الله منتقم لرسوله صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسبَّه ، ومظهر لدينه ولكذب الكاذب إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد "انتهى من" الصارم المسلول " ( 1 / 122 ) .
فتبين براءة عبد الله بن سعد بن أبي السرح ، رضي الله عنه ، من هذه التهمة ؛ فهو لم يدع ذلك ، ولم يقله ، ثم إنه تاب بعد ذلك ، وأسلم ، وحسن إسلامه .

والله أعلم


الإسلام سؤال وجواب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق